الشخصيات الروائية على أريكة التحليل النفسي لعيسى الشيخ حسن ( شاعر سوري )
قد صدر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب كتاب "الشخصية المحورية في الرو
عرفت خالد عبدالغني في بداية الألفية كان يصر على حضور ندوات وامسيات نادى الجسرة الثقافي ويتابع ما أقدمه في الصحف من مقالات وقصائد ، شدني إليه حرصه على متابعة الحركة الادبية أيا كان مكانها أو شخوصها ، رأيته حريصا على متابعة نشاطه العلمي في مجال علم النفس الأكاديمي ، وناقشته كثيراوعرضا عله أن يكتب
عن الأدب من منظور علم النفس الذي يتقنه جيدا ، ومن يومها وهو يحقق نجاحا تلو آخر حتى كوَّن خلال تلك الثمانية عشرة عاما تيارا يعرف باسمه حاليا وهو التيار التحليل النفسي الإكلينيكي للأدب.
وقد صدر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب كتاب “الشخصية المحورية في الرواية العربية للدكتور خالد محمد عبدالغني ” أستاذ علم النفس وهذا الكتاب هو الرابع في سلسلة علم نفس الأدب ، ( كان الكتاب الأول “التحليل النفسي للأدب عام 2007 ، والتاني بعنوان ” نجيب محفوظ وسردياته العجائبية ” من منشورات المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة 2011 بمناسبة مئوية الأستاذ الأكبر نجيب محفوظ واحتوى على قراءة تحليلية لأحلام فترة النقاهة وملحمة الحرافيش ورواية اللص والكلاب وبداية ونهاية وتحليل لمعاناة الأستاذ نجيب محفوظ من اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة ). والكتاب الثالث كان “الذات والموضوع دراسات في سيكولوجية الأدب الذي صدر مؤخرا أيضا ” تناول فيه أبرز كتاب القصة والرواية والشعر من جيل الستينيات وحتى الجيل الحالي من المبدعين المصريين والعرب.
أماالكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ فإنه يحاول تقديم قراءة تطبيقية للنص الروائي تهدف إلى إضاءة النص وإبراز الجوانب التي تتعلق بعلم النفس، حيث التعريف أولاً بالمصطلحات والمفاهيم النفسية التي ستدور حولها القراءة ، وبعد ذلك تقديم التطبيق التحليلي للنص من خلال الشخصية المحورية، استناداً إلى تلك المصطلحات حتى لا تكون القراءة مجرد شرح وتفسير للنص بمجموعة من المفردات العبارات البلاغية المغرقة في الغرابة.
ويضم الكتاب مجموعة من الشخصيات الموجودة في نماذج من الرواية العربية لكبار المبدعين وقد حاولنا دراستها بما توفر لدينا من منهج وأدوات متعلقة بعلم النفس بمدارسه وتياراته المختلفة، وكان الهدف من تحليل تلك الشخصيات هو إيضاح أن المبدع قد يسبق العالم في التنظير للكثير من الحالات ذات الطابع المرضي أو شبه المرضي الموجودة في الواقع ، فكما يعرف الجميع أن سوفوكليس سبق فرويد في إبراز ملامح الأوديبية التي صاغها فرويد في نظريته التحليل النفسي، كما سبق الأستاذ نجيب محفوظ المنظرين والمحللين النفسيين لقضية البغاء في روايته بداية ونهاية، وكذلك الأبوية الذكورية ودور المرأة فيها وتأثيرها على الأبناء في الثلاثية وقلب الليل.
يحاول هذا الكتاب الذي يقع في 250 صفحة من القطع المتوسط، ومن خلال ثمانية فصول تقديم قراءة تطبيقية للنص الروائي تهدف إلى إضاءة النص وإبراز الجوانب التي تتعلق بعلم النفس والتحليل النفسي ، والإضطرابات النفسية ، حيث التعريف أولاً بالمصطلحات والمفاهيم النفسية التي ستدور حولها القراءة التفصيلية لكل عمل روائي ، وبعد ذلك عرض التطبيق التحليلي للنص من خلال الشخصية المحورية – بطل الرواية -، استناداً إلى تلك المصطلحات حتى لا تكون القراءة مجرد شرح وتفسير وعرض لخصائص النص الروائي بمجموعة من المفردات والعبارات البلاغية المغرقة في الغرابة. ويتناول الكتاب في فصوله الموضوعات التالية :
أولا: المؤثرات الأسطورية ومعالم النرجسية وتجلياتها في شخصية رادوبيس والفرعون الشاب – في رواية رادوبيس لنجيب محفوظ – وكيف انتهى بهما المطاف إلى تحقيق أبعاد الأسطورة وهي ” الحب والعزلة والموت ” رادوبيس اتجهت للانتحار عن طريق تناول السم ، والفرعون الشاب ثار عليه الشعب وقتله، وبهذه الثورة على الملك الشاب تحققت الرؤية القائلة بأن الأوليجارشيه نمط من الحكم تستعر فيه رغبة الحاكمين في الاستحواذ على الامتلاك والاستمتاع الشخصي بالحياة ، وهذا النمط من شانه أن يقسم المجتمع إلى حاكم محتكر للثراء وشعب من نصيبه الفقر والحاجة ، وعادة ما ينتهي حال الاستقطاب بين الغني والفقير إلى تفجر الصراع الغاضب الذي تميل فيه الكثرة المعوزة إلى الإطاحة بالقلة المترفة، وهذا ما حدث تماماً مع الملك الشاب.
ثانيا : “أَدِيب” في رواية طه حسين التي سميت أيضاَ باسمه ، وتتضح في شخصيته ملامح البناء النفسي لأعراض اضطراب جنون الاضطهاد والعظمة المعروف بالبارانويا، وكيف انتهى به الحال في إيداعه بإحدى المصحات العقلية في باريس، ومن ثم العودة لقريته في صعيد مصر ، ومما ميز أديب النظارية التي تعرف بأنها نزعة غريزية جزئية تقوم على تشبيق الأحاسيس البصرية، وعندما تكون مسرفة الشدة فهي تقاوم الانتظام تحت زعامة الإنسالية، والنظارية هى الوجه الموجب للاستعراضية، وقد يحدث تعالى بالنظارية فى اتجاه الفن بأشكاله المتعددة أو البحث العلمى، وقد نجد الغرائز الجزئية فى الحياة النفسية اللاشعورية لدى العصابيين ، وآنذاك فإن كل انحراف ايجابى سيصاحبه نظيره السلبي فمن يكون فى لاشعوره محباً للاستعراض يكون فى الوقت نفسه نظارياً وإن كان مظهر واحد فحسب هو الذى يقوم بالدور الغلاب فى الصورة المرضية. وقد كانت النظارية لدى أديب منذ تعرف على طه حسين .
ثالثا : الشيخ عصفور في يوميات نائب في الأرياف لـتوفيق الحكيم، والمجذوب هو الذي ينطق بالحكمة أوالهذيان وأبو صفارة الذي يمثل ضحايا الحروب في مجموعة حوريات الضوء لإبراهيم عطية ومعرفة كيف ظهرت اللغة الخاصة بالمجذوب وهي لغة مليئة بالرموز التي تكشف الحقائق وتنير الطريق للباحثين عن الحقيقة وها هي كلمات الشيخ عصفور المليئة بالايجاز الذي يسمح بكثرة التأويلات عندما يقول “:فتش عن النسوان تعرف سبب الأحزان” هل يمكن أن نذهب إلى أن الشيخ عصفور قد عرف القول الفرنسي- فتش عن المرأة – دائما – في المشكلات ، ويقيناً أن الشيخ عصفور لم يطلع على الثقافة الفرنسية ولا العربية ولكن بوعي وإلهام ولغة غير لغة العامة يستبصر عصفور بحكمة لا نقول فرنسية ولكن حكمة إنسانية تدعونا للنظر في الأحداث والوقائع وعن دور المرأة فيها ، ولعل عصفور قد استدمج في اللاشعور الحكمة القائلة وراء كل عظيم امراة ، ووراء كل فاشل عدة نساء ،،، وهنا نتأكد أن عصفور تصدر الحكمة عنه لا عن وعي بها ولكن عن لغة خاصة تتعلق بالجنون الذي يصبغ العقل والتفكير بلغة لها قانونها الخاص ذلك القانون الإلهامي البعيد عن المنطق تماماً. ومرة ثانية نرى الشيخ عصفور يجري في الطريق عاري الرأس بدون عوده الأخضر والصبية والغلمان وجمع من الأهالي خلفه وهو يصيح كالمجنون.
رابعا : الدكتور شوقي ذلك الشاب الإخواني الذي توحد بالمعتدي، فأصبح عدوانيا وانتهازيا ، وكيف ذاب في الجماعة وضاعت هويته الشخصية، وعباس الزنفلي ذلك العسكري الأسود (الجلاد) الذي أصيب بالجنون حتى وصل لمرحلة أن يأكل لحم ذراعه بعد مرحلة الإدمان وترك الخدمة في الشرطة، وذلك في قصة العسكري الأسود لـيوسف إدريس وفي تفسير ذلك العدوان وتمزيق الجسد تصبح نظرية لاكان عن الاصل الخيالى للعدوانية قادرة على تفسير ذلك العدوان الموجه نحو الذات لدى عباس الزنفلي حيث تساعد – النظرية- فى شرح الصفة الواضحة والغامضة للتجربة البشرية المتعلقة بفكرة البعد الجسدى والتمزيق. وهذه ظاهرة جاء ذكرها فى ” جمهورية أفلاطون حيث انه أثناء مرور أحد سكان المدينة بمكان تنفيذ حكم الاعدام علناً ” يقال إنه لم يستطع منع نفسه من التفرس فى أجسام الموتى هناك . ” بعيون واسعة محملقة اندفع نحو المثبت صارخاً ” أيها التعساء هناك تعالوا و املأوا أنظاركم بهذا المنظر الجميل ”
خامسا : فاطمة تعلبة الأم المصرية الحاكمة للأسرة والمتمرسة في العلاج النفسي كونها تحمل خبرات وتاريخ المرأة الريفية الأصيلة ، وكيف قامت بدور شهرزاد في علاجها النفسي لشهريار حين كانت تعالج زوجات أبنائها في رواية الوتد لخيري شلبي ، كما يعرض الكتاب جوانب الأمومة ممثلة في ديناميات العائلة المترابطة، والناجحة وشخصية الحاجة فاطمة تعلبه التي مثلت الوتد للأسرة المصرية في الريف المصري قديماً وحديثاً يتبين أن هذا العمل كان من الممكن أن يكون رواية أجيال، بحيث تكون شخصية كل ابن وزوجته وأبنائه محوراً للتصاعد الدرامي فيما قبل وبعد وفاة فاطمة تعلبة لنرى هل استطاعت العائلة المترابطة الاستمرار بعد وفاة الوتد الذي كان يربطهم في مكان واحد وبهدف واحد أم لا ؟.
سادسا : أحمد الرجل الذي أصابته أزمة منتصف العمر وهو على مشارف الستين عاما فأخذ يعاني من أعراضها ، ودنيا تلك الزوجة التي خانت زوجها فكان جزاؤها الإنتحار في عتبات البهجة لإبراهيم عبد المجيد ، وانتحار دنيا كان فعلا نفذته هي لرغبة أرادها أحمد في لاشعوره ( فالحقيقة النفسية أن الذي تمنى أو أوحى لشخص ما بفعل ما إنما في حقيقة الأمر مشارك له بل يعد الفاعل الأول من الوجهة النفسية) ولهذا نجد أن انتحارها كان بعد أن استفحل مرضه بالقلب وأصبح من الصعب أن يجمع بين العقاقير المنشطة والعقاقير الخاصة بعلاج القلب.
سابعا : خليل الموظف الذي بلغ سن المعاش ويعاني من أعراض الشيخوخة، وإحسان زوجته التي توفيت وتركته وحيداً في “حجرتان وصالة” لإبراهيم أصلان ، وبهذا يكون إبراهيم أصلان قد عرض في هدوء وبلغة سهلة وبسيطة جمعت بين الفصحى والعامية لحياة المسنين من الطبقة المتوسطة ولهمومهم اليومية ولكيفية تغلبهم على حالات فقدان الأحبة والأهل ولمشكلات المجتمع المصري في الوقت الراهن مع تحذيره من شيخوخة الطبقة المتوسطة وموت بعض أفرادها وخطورة ذلك على بناء المجتمع.
ثامنا : خديجة الأم المتسلطة وتمرد ابنتها سوسن عليها في رواية خديجة وسوسن لرضوى عاشور ، وهي رواية عبرت بعمق عن ذلك الجدل بين السلطة والتمرد في شكلها الأولي المتمثل في علاقة أم بأبنتها ثم ما نلبث أن نكتشف بالتحليل الدقيق أنه جدل يمتد ليشمل السلطة في أوسع معانيها ، والتمرد في أوسع نطاقاته أيضاً ، فخديجة كانت طفلة محبطة ومقهورة ومن ثم ستلجأ إلى التوحد بالأم والأب في تسلطهما لكي تمر مرحلة النمو في الطفولة بسلام، ولكنها لا تدري بأنها ستكون على الصورة المستبدة للوالدين في المستقبل، وهذا ما كانت تسميه “آنا فرويد” بالتوحد بالمعتدي ، وهو استدماج قيم وصفات خصائص المعتدي في داخل الذات والتصرف مثله فيما بعد، كما تبين من الدراسات مع شخص ذي أهمية في حياته.